هكذا تم إعدام 10 ضباط بالرصاص ضمنهم 5 جنرالات بإشارة من أوفقير وعلى مرأى من الحسن الثاني والملك حسين في انقلاب 1971 وهذه أسماؤهم
جميلة سلمات
هم عشرة ضباط سامين شاركوا في العملية الانقلابية المؤرخة في 10 يوليوز 1971، بين عشية وضحاها وجدوا أنفسهم بعد يومين من وقعها مصلوبين على أعمدة خشبية في انتظار أن تتلقى أجسادهم وابلا من الرصاص، في عملية إعدام هي الأسرع من نوعها في تاريخ المغرب.
كانوا أربع جنرالات، خمس كولونيلات وكوموندو واحد، أعدموا بأمر من الملك الراحل الحسن الثاني الذي راقب العملية عن كثب، ذلك أن المشهد، وإن مر مباشرة أمام أعين المغاربة في 13 يوليوز 1971 بعد أن تم نقله على التلفزة، إلا أنه يكتنز العديد من المعطيات التي تجعل منه اليوم مشهدا حيا للأجيال التي لم تعش المرحلة، ما دام أن هناك من قرروا البوح، راسمين سيناريو الإعدام كما عاشوا أحداثه لحظة بلحظة، على اعتبار أنهم كانوا ضمن عناصر فرق الرماة التي أفرغت محتوى بنادقها في صدر الضباط السامين. هنا فقط سنعيد عقارب الساعة إلى تاريخ 13 يوليوز لنقف أمام مشهد رهيب، حيث تم إعدام 10 ضباط من نخبة الجيش بأمر من الحسن الثاني وإشارة من الجنرال أوفقير.
الحسن الثاني يرى مشهد الإعدام من ربوة على الشاطئ
في ذلك اليوم الصيفي القائظ، المؤرخ في 13 يوليوز 1971، عرف المكان الذي تستخدمه القوات المسلحة الملكية للتدريب بالقرب من شاطئ الهرهورة غير البعيد عن مدينة تمارة، حركة غير عادية، إنزال أمني مكثف، ووحدات من مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية تحج إليه تباعا، كان الجيش، الدرك الملكي، الأمن الوطني والقوات المساعدة حاضرون بثقلهم في مسرح خصص لإعدام الانقلابيين، أو بالأحرى أشباه الانقلابيين الذين نادوا بحياة الملك ودوام الملكية ثواني قبل أن يلفظوا أنفاسهم الأخيرة تحت وابل من الرصاص.
في ذلك اليوم الحار، كان الملك الراحل الحسن الثاني بالكاد قد استرجع أنفاسه.. وقف بجلبابه على ربوة رملية قبالة الشاطئ.. كان آنذاك ما يزال تحت تأثير الصدمة وهو يراقب عشرة ضباط سامين قد شدوا إلى أعمدة خشبية مغروسة في الرمال، في انتظار أن تفرغ بنادق الرماة محتواها من الرصاص في أجسادهم. بالنسبة للحسن الثاني، كان موت هؤلاء أهون من أن يظلوا شاهدين على محاولة النيل منه، وأيضا حتى يكونوا عبرة لغيرهم. هكذا تقرر بسرعة أن يعدم بالرصاص 10 من كبار العساكر الذين قيل بأنهم من خيرة ضباطه السامين، بعد أن حامت حولهم شكوك بتورطهم في محاولة تصفية الملك يوم السبت 10 يوليوز 1971.
الحسن الثاني والملك حسين يتفقدان الخسائر في القصر
ولكي نعيد ترتيب الحكاية، كان ضروريا أن نبدأ من لحظة استعادة الملك الراحل الحسن الثاني السيطرة على الوضع بقصر الصخيرات، بعد أن عات فيه الجنرال المذبوح والكولونيل اعبابو وأتباعهما فسادا، لقد كان الملك قاب قوسين أو أدنى من موت محقق، لكن في لحظة ما وجد نفسه في موقع قوة وإن بدون سلاح، بعد أن أذعن جنود صغار لأوامره.. كان الكولونيل اعبابو الذي هندس للعملية الانقلابية رفقة المذبوح وأوفقير الذي لم تكشف خيانته بعد، قد توجه لاحتلال مقر الإذاعة والتلفزة، بينما كبار الجنرالات والضباط السامين الذين اجتمعوا معه بمقر القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية المسماة « إطامجاور »، فقد تفرقوا كل إلى وجهته من أجل التحكم في الشرايين المغذية لأجهزة الدولة.. لكن استعادة الملك الحسن الثاني لنفوذه في آخر لحظة، ومنحه كافة الصلاحيات للجنرال أوفقير من أجل ضبط النظام ووضع حد لتمرد الانقلابين، منحه هامشا من الوقت لترتيب أوراقه واختبار سريرة الصالح والطالح من رجالاته.. وهكذا انطلقت رحلة البحث عن قادة الانقلاب والآلات المنفذة له.
أحد الضباط قال إن موت الجنرال المذبوح العقل المدير للعملية الانقلابية ومصرع الكولونيل اعبابو الذي يعتبر المنفذ الرئيسي لها، قد غيَّب حقائق كثيرة وأسرار جمة عن الخلفيات الحقيقية للمحاولة الانقلابية، غير أن جزء من أسرارها ظل آنذاك في حوزة الجنرال أوفقير، وبعد الضباط الذين اكتشفوا تورطه في آخر لحظة. من هذا المنطلق، سارع أوفقير إلى اعتقال العديد من الجنرالات والكولونيلات والضباط حتى لا يفتضح أمره، وقد دامت العملية برمتها ساعات فقط بحكم علمه المسبق بوجهة لهؤلاء.
وحسب الضابط، الذي كان على علم مسبقا بمخطط اعبابو والمذبوح، قبل أن ينسل من بينهم مثل شعرة من العجين، اقتاد الجنرال أوفقير العديد من الضباط المعتقلين إلى مكتبه بثكنة « المصفحات » بالرباط التي كان الجنرال الغرباوي قائدا لوحدتها، ومن تم انطلق سيل التحقيقات والاستنطاقات، ليستقر الأمر في نهاية المطاف على 10 ضباط سامين، قرر أوفقير أن يضع حدا لهم ودفن سره معهم، وهم الجنرالات حمو، مصطفى، حبيبي وبوكرين والكولونيل الشلواطي الذي كان أقرب المقربين إلى أوفقير، وأحد الذين ترأسوا سير العملية الانقلابية، الكولونيل الفنيري، الكولونيل بوبري، الكولونيل عمي بنبراهيم، الكولونيل بلبصير والكوموندو إبراهيم المانوزي، إذ خلال ليلة المحاولة الانقلابية، اقنع أوفقير الملك الراحل بضرورة إعدامهم حتى يكونوا عبرة لغيرهم، فتقرر تصفيتهم صباح يوم الثلاثاء 13 يوليوز 1971..
هكذا تم إعدام عشرة ضباط بإشارة من أوفقير وعلى مرأى من الحسن الثاني والملك حسين
كان صباحا استثنائيا مشبعا برطوبة البحر التي أضفت على المكان طابعا غرائبيا، أربع دوائر أمنية تطوقه للحماية، وشاحنات عسكرية مصطفة تشكل طابورا مغطاة حتى لا يُعرف من بداخلها، على مقربة منها ثم غرس عشرة أعمدة خشبية في رمال تمتد إلى المحيط الأطلسي، بينما الملك الراحل الحسن الثاني يقف كشاهد على سير الترتيبات على تل رملي رفقة العاهل الأردني الملك حسين.
هنا ساحة الإعدام التي تقرر أن تموت فيها نزعة الانقلاب على الملكية في المغرب.. وهنا أيضا كان الحسن الثاني بجلبابه المغربي يسترجع سريعا شريط مأساة الصخيرات، لقد كان مستعجلا في تنفيذ حكم الإعدام في حق الانقلابيين، غير أن تأخر طاقم الإذاعة والتلفزة الموكول له نقل الحدث مباشرة للمغاربة في القدوم إلى مسرح العملية، عطل الأمر لدقائق.
الناس يفرون بجلدهم بعدما لعلعل الرصاص في قصر الصخيرات
ساحة الرماية، أو بالأحرى ساحة الإعدام تعج بالعديد من الضباط على اختلاف رتبهم العسكرية يتقدمهم الجنرالين إدريس بن عمر وأوفقير، الشاحنات العسكرية المصطفة ما تزال في مكانها، وفرقة الرماة الموكول لها بتنفيذ عملية الإعدام تقف قبالتها في أقصى تأهبها، مرت دقائق قليلة، كانت الساعة وقتذاك تشارف على الحادية عشرة صباحا، توجه بعض الجنود ورفعوا الأغطية على الشاحنات ليظهر الضباط العشرة بداخلها مكبلي الأيدي، كانت هاماتهم منكسرة، وجوههم شاحبة كما لو أنها تعتلي أجسادا بلا روح بينما أعينهم فقد بدت شاخصة نحو كل شيء ولا شيء.. كل واحد من هؤلاء يحاول أن يفهم ما يجري، وحده الكولونيل الشلواطي الذي كان غير مكترث بما يدور حوله، باعتباره حسب ما ذكرته العديد من المصادر، كان عنصراً أساسيا ضمن قادة الانقلاب، وقد شغل خلال العملية منصب « رئيس مجلس الثورة ».
الإعلامي محمد بن ددوش، واحد ممن شهدوا عملية الإعدام عن قرب، وقد تحدث في كتابه « رحلة حياتي مع المكروفون »، عن بعض تفاصيلها بحكم أنه كان وراء إعداد الروبورتاج الذي أذيع في التلفزة حول العملية، وحسب هذا الأخير، إن الضباط العشرة سيقوا إلى ساحة الإعدام، وقد ربطت أيديهم من الخلف بالأعمدة المنصوبة ببزاتهم العسكرية وعليها شارات رتبهم، وهي الشارات التي ستنزع منهم الواحد بعد الآخر، حيث تولى عملية نزع الشارات الجنرال إدريس بن عمر.
دقت ساعة الحسم، ووقت الصباح يشارف على الانتهاء، إذ مع حلول الساعة الحادية عشرة والربع دخل
الجنرال أفقير والجنرال إدريس بن عمر في جدال اتضح من خلاله أنهما المشرفان على سير عملية الإعدام، وحسب بن ددوش، كان الجنرالان يتذاكران على انفراد، وإذا بالجو يتوتر بينهما، حيث سمع الجنرال إدريس بن عمر يقول لأوفقير بالفرنسية ما يعنى أنه « يجب أن تكون تصرفاتنا معهم وفق القواعد المتعارف عليها »، ليرد الجنرال أوفقير منفعلا وبصوت عال « هل كانت تصرفاتهم معنا كما يجب »؟، وقبل أن ينهي كلامه ابتعد عن الجنرال إدريس بن عمر وتوجه صوب فرقة الرماة (فريق التنفيذ العسكري)، ثم صاح فيهم (بالفرنسية) حسب بنددوش : » انتبهوا انتبهوا … نار… نار » ومن تم أخذت البنادق دفعة واحدة في إطلاق الرصاص، فكانت أجساد الضباط تتهاوى تباعا بعد أن تحولت صدورها إلى شلالات فائرة بالدماء.
وعن هذا الشهد الدراماتيكي قال بن ددوش في إحدى اعترافاته « هكذا جرت العملية في جو مضطرب رهيب وأثارت نوعا من الخوف لدينا لقربنا من الموقع، بالنظر إلى الطابع الفجائي الذي ميز صدور الأمر بإطلاق النار، وبالنظر أيضا إلى قوة الرماية وصوت الرصاص المرعب ومنظر الدماء تتطاير من الأجساد ».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق