الأربعاء، 23 ديسمبر 2020

عبد السلام عامر… كفيفا أطل ليستحم الخلود في لحنه ثم رحل!-1-

 عبد السلام عامر… كفيفا أطل ليستحم الخلود في لحنه ثم رحل! 2/1

هذه حكاية الملحن الذي قام بتلاوة بيان انقلابيي الصخيرات بالإذاعة، فدفع التهميش ثمنا لذلك، بعدما كان يعد واحدا من أبرز الملحنين المغاربة...

بعد حرمان الطفولة، كان النجاح الموسيقي حليفه، وبعد النجاح صار التهميش منقلبه… وعلى خطوط لحظات حياته الفارقة، وفيما بينها، نقف لنتذكر في هذا البورتريه، حكاية عبد السلام عامر، أحد أهم ملحني الأغنية المغربية.

كريم الهاني..

كان عبد السلام عامر يوجد بإذاعة الرباط يوم انقلاب الصخيرات عام 1971، لكنه ربما، لم يكن يعلم أن قراءته بيان الانقلابيين، ستقلب حياته رأسا على عقب، هو الذي عرفه المغاربة كواحد من أهم من يطوعون الصوت لحنا… ألحان من أبرزها أغنيتي “القمر الأحمر” و”راحلة”، التي أداها محمد الحياني.

بعد حرمان الطفولة، كان النجاح الموسيقي حليفه، وبعد النجاح صار التهميش منقلبه… وعلى خطوط لحظات حياته الفارقة، وفيما بينها، نقف لنتذكر في هذا البورتريه، حكاية واحد من بين أهم ملحني الأغنية المغربية.

رأى عبد السلام عامر النور بحومة لالة بنت أحمد بمدينة القصر الكبير في فاتح أبريل 1939، لأب كان يخدم في الجيش الإسباني، ثم ترك زوجته “خدوج” ووحيدها، وحيدين، يكافحان مطبات الحياة.

بعد عامين، ستحدث لحظة التحول الأولى في حياة عامر، إذ أصيب بمرض أدت محاولة علاجه بالطب الشعبي إلى فقدانه البصر. الحادث أثر جدا في أمه، فحاولت، وهو بعد صبي مسكون بالأسئلة، إنقاذه من الظلام، فأدخلته إلى كتّاب.

في الكتاب سيحظى التلاميذ بزميل يبصر بقلبه معتمدا في ذلك على سمعه، ثم مع مضيّ الأيام، اكتشفوا ومعلمهم أن عامر يملك أكثر من مجرد ذاكرة؛ فكل ما يسمعه من القرآن والأناشيد يعلق بذهنه على نحو مدهش.

بالمناسبة، المغاربة من كياستهم، يسمون الكفيف بـ”البصير”، وعامر كان مثالا لهذا المعنى، فقد شوهد في أحد الأيام يقود دراجة هوائية كأي شخص… ليس في المسألة أي معجزة، كل ما في الأمر، أنهم استهزؤوا به قبل ذلك حين ركبها فوقع أرضا، فتوعدهم بإصرار أن ينجح في مرة مقبلة.

التحق عامر بعد مرحلة الكتاب بمدرسة ابتدائية ودرس فيها إلى السنة الخامسة، ثم لسبب ما، ترك الدراسة، حتى تقدم لاحقا لينال الشهادة الثانوية كمترشح حر، وكان وفق ما يروى، الناجح الوحيد من بين من تقدموا معه.

من رفض الإذاعة تسجيل ألحانه… إلى صاحب “القمر الأحمر”!

إن كان عامر قد فقد بصره، فقد عُوض بذكاء متفتق وبديهة حادة، وذاكرة ألقة… كان صديقا للمذياع، والمذياع صديقه يضيء عليه عتمة أيامه، فاشتهر بحفظه السريع والواسع للقصائد وشتى ضروب المقاطع الموسيقية.

أمكن حينذاك لعامر والشهادة الثانوية بجيبه أن يتقدم ليعمل مدرسا، بيد أن مسّا موسيقيا قد تملكه فصار لا يرجو لحياته مسارا سوى أن يمضي في الموسيقى…

ومع أن موهبته الموسيقية قد لاحت باكرا، إذ كان يلحن أشعارا يؤديها وزملاؤه في المدرسة كأناشيد، فإنه لم يكن يستطيع العزف على أي آلة موسيقية، فتجاوز بذلك القواعد المتعارف عليها إذ استخدم أسلوب “الدندنة” في التلحين.

هكذا، في نهاية الخمسينيات، سجل أول ألحانه بصوته في إذاعة طنجة، أغنية “ما بان خيال حبيبي”، التي انتشرت حد أن اقتنع بموهبته في التلحين، فحمل بعض ألحانه وقصد إذاعة الرباط.

في الرباط، سيصطدم عامر بالمسؤول عن جوق الإذاعة آنذاك، الملحن أحمد البيضاوي، الذي رفض نهج عامر في التلحين، ذلك أنه لا يمت للقواعد بصلة… سيحمل عامر خيبته الكبيرة وسيمضي أدراجه إلى فاس، حيث تعرف على الفنان عبد الوهاب الدكالي، وهناك سمح له بتسجيل ألحانه.

قدم عامر للدكالي يومها أغنيتين هما “آخر آه” و”حبيبتي” لقيتا نجاحا باهرا، ما جعل البيضاوي يعيد حساباته، إذ بات مقتنعا بأن عامر موهبة فريدة.

هكذا، سيعود إلى الرباط وباب الإذاعة قد صار مفتوحا في وجهه، وسيصبح وهو بعد في ريعان شبابه، أحد أشهر الملحنين المغاربة، سيما بعد أن تعرف على الشاعر عبد الرفيع الجواهري.

تعارف سيسفر عن أغان فارقة في قائمة الموسيقى المغربية، من بينها “راحلة” التي غناها محمد الحياني، و”القمر الأحمر” التي غناها عبد الهادي بلخياط… يروى، بالمناسبة، أن الأغنية الأخيرة استمع إليها الفنان المصري محمد عبد الوهاب، مرتين، ثم قرر إضافتها إلى خزينته الموسيقية.



هناك تعليق واحد:

  1. بنجلون: عامر كان ناصريا ولهذا قرأ بيان الإطاحة بالحكم الملكي يوم محاولة انقلاب الصخيرات
    مريم موكريم

    يعيد المخرج المغربي حسن بنجلون الإعتبار لأبطال أفلامه ويحنو عليهم فيصبحون كأنهم أفراد في عائلة المشاهد الذي يود لو يمد إليهم يد المساعدة ويدفع عنهم ظلما يودي بحياتهم أو يجعلهم مهمشين ومنفيين في زمانهم. فقبل عشر سنوات تناول في فيلم (درب مولاي الشريف) جانبا من ضحايا ذلك المعتقل السري سيء السمعة في المغرب خلال حكم الملك السابق الحسن الثاني وهو ما يعرف بسنوات الرصاص. وفي فيلمه الجديد (القمر الأحمر) يتناول السيرة الذاتية والفنية لعبد السلام عامر الموسيقي العصامي الضرير الذي آمن بموهبته ولكن السياق الفني والسياسي كان يعانده. والفيلم الذي يشارك في مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية المقام حاليا بالمدينة الجنوبية المصرية يبدأ بلحظة ميلاد عبد السلام عامر (1939-1979) في مدينة القصر الكبير الشمالية وكيف فقد بصره ولكن بصيرته كانت حادة إذ عشق الموسيقى وتقصى الفن كلما وجد إليه سبيلا.. من العاصمة المغربية إلى القاهرة التي جاءها محبا وغادرها محبطا بعد حرب 1967. ولا يرصد بنجلون قصة حياة عامر بحياد توثيقي ولكنه ينحاز إليه إنسانيا وفنيا باختياره ملامح تميز مواقف عامر الذي تحدى سخرية البعض منه في بداية الأمر وأجاد تلحين القصائد ومن أبرزها (القمر الأحمر) للشاعر عبد الرفيع الجوهري وغناء عبد الهادي بلخياط. واختار بنجلون (القمر الأحمر) عنوانا للفيلم ربما في إشارة إلى مكانة عامر كقمر في سماء الفن أو إلى ميوله السياسية اليسارية. وقال بنجلون الذي جاء إلى مدينة الأقصر لحضور المهرجان لرويترز إن عامر “كان ناصريا” في إشارة إلى حبه لتجربة الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر مضيفا أن عامر واجه بسبب ذلك تضييقا في المغرب وصل إلى درجة التعتيم أحيانا نظرا لأن القاهرة كانت تقف بجوار الجزائر في النزاع الذي نشب بين الجزائر والمغرب في بداية الستينيات. وأضاف أن الحظ عاند عامر حين جاء إلى القاهرة التي تتسع لموهبته وخياله وقدم -كما سجل الفيلم- أعمالا في دار الأوبرا المصرية واستمع إليه موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب وحثه على الحفاظ على التراث الموسيقي الأندلسي الذي يتميز به المغرب. وكان يخطط للتعاون مع عدد من المطربين لولا حرب 1967 وما تلاها من إعلان عبد الناصر التنحي عن الحكم فقرر عامر العودة إلى بلاده وترك زوجته المصرية. ولكن المغرب كان يدخر له مفاجأة كبرى تعزز الاتهام السابق بأنه “ناصري الهوى” إذ تصادف وجوده في الإذاعة يوم “انقلاب الصخيرات” الذي قاده الجنرال أمحمد أعبابو في يوليو تموز 1971 وتحت تهديد السلاح أجبر عامر على قراءة بيان يؤكد “الإطاحة بالحكم الملكي” وما ترتب عليه من اعتقال وانتزاع اعتراف بالضلوع في الأمر ثم الإفراج عنه بعد ثبوت براءته ولكنه يظل ضحية التهميش. وينتهي الفيلم بوفاة عامر الذي أعيد الاعتراف به كجزء من الذاكرة الفنية المغربية وأحد أبرز المجددين في الموسيقى العربية.

    ردحذف

قصة اليوطنو مبارك الطويل من القاعدة الجوية إلى معتقل تزممارت

  قصة اليوطنو مبارك الطويل من القاعدة الجوية إلى معتقل تزممارت امبارك الطويل اسرار الزنزانة رقم 15 بتزممارت